شهود عيان يتذكّرون بعض تفاصيل مجزرة 8 ماي 1945يوم اختنقت قالمة برائحة جثث الأبرياء
يروي بعض من شارك في مسيرة ذلك الثلاثاء الأسود من شهر ماي لعام 1945، كالسادة يلس وطاجين وشيهب ولكحل وغيرهم، بأن تعليمات مسؤولي النظام السري لحزب الشعب كانت ”أن تتم المسيرة ولو استشهد الجميع”، لكن توقيت انطلاق المسيرة تأخر إلى السادسة مساء، الساعة التي انطلقت فيها آلة التقتيل والتنكيل·ويرسل عبد القادر بوتصفيرة إلى عنابة من قبل مسؤولي النظام السري، حسب شهادة كان المرحوم براهم محمد الطاهر قد أدلى لنا بها مطلع التسعينيات، ويتعذر عليه اللقاء بالمكلف بالأخبار ساحلي مصطفى بسبب انشغاله بمسيرة عنابة صباح الثامن ماي· وما إن التقاه بعد الزوال وأخذ الإذن، حتى قفل راجعا· هاتف وهو بعين الباردة، السعيد سريدي، الذي نقل التخويل بسرعة لتتوجه الحشود إلى الكرمات حيث حدد منطلق المسيرة·الساعة كانت تشير إلى السادسة مساء، الموكب ينطلق من الكرمات بنحو 2000 مشارك، وهم يرددون نشيد ”من جبالنا”، ويبدأ العدد في التزايد بالوصول إلى نهج عنونة، وسط زغاريد النسوة· وبعدما عبر المشاركون في المسيرة، التي رفعت فيها الراية الجزائرية ورايات كل من إنجلترا وأمريكا وحتى العلم الفرنسي، شوارع مجاز عمار (ابن باديس اليوم) والقديس أوغستين، (عديم اللقب عبد الكريم حاليا) إلى غاية نهج 8 ماي·وجد السائرون أنفسهم وجها لوجه مع بوليس الاحتلال ودركه يتقدمهم آشياري، الذي رفع صوته في وجه من كان في الطليعة من المسؤولين: ”إلى أين أنتم ذاهبون؟”، فيجيبونه: ”لوضع باقة من الزهور على النصب التذكاري، الذي عوض بعدها بنصب الرئيس الراحل هواري بومدين بساحة 19 مارس وسط فالمة وبمحاذاة مقر المجلس الشعبي الولائي”، ويرد آشياري ”لن تضعوها·· ولتوقفوا المسيرة”·يزداد تدافع الحشود دون تراجع· ويلح أحد الفرنسيين، الذي عرف باسم فوكو، على نائب عامل العمالة بالسؤال:”هل فرنسا موجودة أم لا؟”، ويجيب آشياري: ”نعم فرنسا موجودة”·وفي لحظة التلبّس بالجرم، يطلق آشياري عيارات الإيذان بالهجوم على المتظاهرين، لتشرع عناصر الدرك والبوليس بالرمي، فيسقط بومعزة عبد الله، المدعو حامد، شهيدا، وصالح كتفي شهيدا ثانيا، بينما يصاب يلس عبد الله، الذي لا يزال على قيد الحياة، في رجله اليمنى، قبل أن ينقل إلى المستشفى، وتتعالى الطلقات الهمجية في كل أرجاء المدينة، لتعلن رصاصات الغدر انطلاقة ليلة سوداء·تواصل بركان الدماء اعتبارا من ذلك الثلاثاء الأسود، فمن التوقيفات العشوائية، إلى المطاردات خارج المدينة، إلى القصف بالقنابل للقرى والمداشر، إلى إعدام الأبرياء··، يقول السيد شيهب، الذي كان يعمل بمصالح السكة الحديدية: ”لقد كنا نرى، ونحن نمر على متن القطار، جثثا لرعاة وعزل من السكان مرمية في الخلاء، كما كانت الشاحنات تأتي إلى محطة القطار وتخرج محملة بالعشرات من الموقوفين الذين ينقلون إلى السجن أو الإعدام”·ويؤكد المجاهد، حاجي عمار، من منطقة لكرابيش بحمام النبائل، بأن المعمر أشمول هجٌر مشتة بكاملها بعد عملية فدائية قام بها الشهيد حجاجي التومي يوم الثامن ماي، فقد صب السفاح جام غضبه على المنطقة وأدخل الرعب في أوساط القرويين·
عمي الهادي يتذكر صور المجزرة بسطيف”الفرنسيون والمعمرون كانوا يطلقون علينا النار من الشرفات”
مازال عمي محمد الهادي شريف، المدعو جنادي، يتذكر أحداث الثامن ماي 45 دقيقة بدقيقة، رغم ثقل أعوامه الأربعة والثمانين، وتأثيرها على السمع والبصر والذاكرة؛ حيث قال لنا ”أنا لا أتذكر وجبة العشاء ليوم أمس، غير أنني أتذكر أحداث الثامن ماي من بدايتها إلى نهايتها”·عاد بنا السيد محمد الهادي شريف إلى بداية شهر ماي من عام 1945 حين كان سنه 22 ربيعا، حينما بدأت الترتيبات لتنظيم مسيرة سلمية بمدينة سطيف كان هدفها استقبال الجنود الجزائريين الذين شاركوا في حرب الحلفاء ضد ألمانيا النازية، وكذا تقديم لائحة مطالب تذكر فرنسا والحلفاء بتعهداتهم بمنح كل الشعوب المستعمرة التي ساعدتهم على الوقوف في وجه النازية استقلالها·يقول عمي الشريف ”تم توجيه عمي محمد نحو خلية جمع الأعلام الوطنية للحلفاء من مقر مركز إعلام الحلفاء الكائن بمحاذاة مقر الأروقة الجزائرية، الذي حول مؤخرا إلى مساحة للانترنت، وتم جلب ستة أعلام للدول الحليفة بما فيها العلم الفرنسي· وتكفل عمي محمد بحفظها في منزله قبل يومين من موعد المسيرة الذي تقرر يوم الثلاثاء المصادف للثامن ماي سنة 1945، وكان يوم سوق أسبوعي للمواشي والخضر· كما كلف الطيب دومي، وكان يملك محلا للخياطة بشارع الريفالي، بصنع علم جزائري صغير وفق الشكل والصورة التي وضعها له السيد سليمان بلة، والذي تكفل بحفظه بمنزله، فيما تقدم السيد عبد القادر يعلى بطلب رسمي لرئيس دائرة سطيف، الفرنسي بيترلان، والذي وافق على ذلك بشرط جعلها سلمية ومدنية”·ويستطرد عمي محمد قائلا ”وجاء اليوم الموعود، حيث تجمع المئات من المواطنين أمام مسجد الشيخ رابح بن مدور، المعروف حاليا بمسجد أبي ذر الغفاري، وقام المنظمون بتفتيش المواطنين وتجريدهم من العصي والهراوات والأسلحة البيضاء المتمثلة أساسا في خنجر البوسعادي؛ حيث احتفظ بها داخل المسجد، ليتم تقديم أطفال الكشافة وبعض تلاميذ المدارس إلى مقدمة المسيرة، فيما تم تكليف السيد العيد شراقة بحمل العلم الوطني نظرا لكونه أطول واحد ضمن المشاركين بالمسيرة· وانطلق بعد ذلك الجمع من أمام المسجد المتواجد على بعد حوالي 100 متر من مقر الولاية حاليا، نحو شارع قسنطينة، وبالضبط قرب المكان المسمى عين مزابي· وهو معروف لحد الساعة بنفس الاسم· وكان أطفال الكشافة يرددون أناشيد كثيرة منها ”حيوا الشمال الإفريقي” و”كشاف هيا طلق المحيا” و”من جبالنا””·ثم يعود عمي محمد إلى ذاكرته ويقول:”وحين وصولنا إلى مفترق الطرق بشارع قسنطينة، وبالضبط بالقرب من مقهى مارتيناز، محل بي سي آر، حاليا، فاجأتنا سيارة الشرطة القضائية من نوع ”سيتروان ” وعلى متنها خمسة أفراد يقودهم المحافظ أوليفيري؛ حيث أغلقوا الطريق بعد أن تركوا الكشافة يمرون ليحاولوا بعد ذلك نزع العلم من السيد شراقة الذي سقط أرضا وتناول بعده الشهيد سعال الراية الوطنية ليدخل في عراك مع المحافظ الذي أخرج سلاحه الناري وأطلق عليه الرصاص· وهنا بدأ الرصاص يطلق من كل الشرفات والمحلات التي يملكها الفرنسيون والمعمرون· وقد أصبت أنا في رجلي اليمنى ليتم نقلي بواسطة سيارة كان يملكها أحد الجزائريين نحو المستشفى؛ حيث كنت أول مصاب يصل، فتم نزع الرصاصة من رجلي وخيط الجرح ثم حاولت العودة إلى منزلي، وفي الطريق صادفت ثلاثة جزائريين منهالين على شيخ فرنسي كنت أعرفه ضربا فنزلت من السيارة وخلصته منهم، ثم أوصلته إلى بيته، ودخلت بعد ذلك بيتي· غير أن أفراد الشرطة القضائية قاموا باعتقالي بعد حوالي ساعتين واقتادوني إلى مقرهم تم نقلت رفقة مجموعة كبيرة من إخواني إلى الثكنة العسكرية، مكان تواجد حظيرة التسلية حاليا· وهناك مورس علينا أشد العذاب على أيدي رجال الدرك· وكان معنا الكاتب كاتب ياسين، الذي كان طالبا بثانوية ”البارتيني”، القيرواني حاليا، ليتم إطلاق سراحنا بعد حوالي ستة أشهر ”·
ساعدت أحداث الحرب العالمية الثانية على اكتمال نضج الحركة الوطنية الجزائرية وظهر هناك إجماع زعماء الجزائر اتجاه
معين وعلى مطالب محددة،وشعرت حكومة فرنسا بخطورة الموقف وصممت إظهار قوتها اتجاه الجزائر معتقدة انه بإمكانها
بحل جمعية أحباب البيان يوم 14ماي1945وباقي تيارات الحركة الوطنية ،وسجن قادتها وفي مقدمتهم مناضلو حزب الشعب
،والشيخ البشير الإبراهيمي وفرحات عباس وأنصاره ،غير أن هذه الأعمال الوحشية لم تقضي على الحركة الوطنية بل زادتها
حماسا ونشاطا ،كما جعلت الشعب الجزائري أكثر وعيا بمطالبه بالحرية والاستقلال .
.
وما إن انتهت الحرب العالمية 2حتى ظهرت فرنسا بمظهر المنتصر .ففي 8 ماي 1945 احتفل العالم الغربي بعقد الهدنة مع
ألمانيا ،فأراد الجزائريون المشاركة في هذا الاحتفال مع التعبير عن أهدافهم في الحرية والاستقلال .
وتعبيرا عن ذلك حمل الجزائريون رايتـــهم صـــــبيحة ذلـــك اليوم في كل من سطيف ،قالمة ،خراطة ،عنابه وسكيكدة
فيها شعارات وطنية "تحيا الجزائر " "أطلقوا سراح مصالي الحاج" وما أن شـاهده الفرنسيون حتى قام محافظ الشرطــة بإطلاق
النــــــــار على حاملها الشــــــــاب بـــــوزيد شعال، وكـان استشهاده بــداية لمذبحة من افضح المذابح الاستعمارية في
العـــــالم،اشترك فيها جميع الأوربيين بالجزائر دامت عدة أيام أسفرت عـن مقـتل أكثـر من 45ألـف جزائري واعتقال6460 شخص
وحكم بالإعدام على 99منهم..بـعد هـذه المجـازر شــددت فرنســا الخــناق على زعمــــــــاء الــــحركة الوطنية إذ نقل مصالي الحاج إلى برازافيـل واعتقل فرحات
عباس سعـــدان والبشيرالإبراهيمي ولم يطـــــلق سراحــــهم إلا فـــي