إن صناعة الرسوم المتحركة تنطوي على درجة من التعقيد تستلزم كتابا باكمله لشرح كل تفاصيلها و سنكتفي بان نذكر ان هذه الصناعة في بداية الامر كانت تتطلب فريقا من المؤلفين الخياليين يتكون من اثنين او ثلاثة لاعداد السيناريو و يجري بعد ذلك عمل الكروكيات التي تمثل اجزاء القصة الأساسية وتثبيتها فوق لوحة هائلة الحجم ومن هنا يبدأ عمل الرسومات ويقوم مدير فني بتحديد طول كل منظر في حين يقوم مدير الموسيقى باعداد المؤثرات الصوتية والموسيقى بصفة تقريبية اما الحوار فيجري تسجيله مسبقا وهنا يبدأ في اعداد الديكورات و المناظر الخلفية ويشترك في العمل عدد من الرسامين وبعد ان يكونوا قد درسوا الشخصيات المختارة رجالا، وحيوانات، واشياء يبدأون في تحريكها برسم بضعة آلاف من الرسوم التي تبعث البهجة في قلوب الملايين والفيلم الذي يستغرق ثماني دقائق يحتاج لبضع مئات من الساعات لاعداده العرض.
------------------------------------------------------------
في احد ايام عام 1907 كان اميل كول الرسام الكاريكاتوري الفرنسي يشاهد عرضا في احدى دور السينما في مونمارتر عندما اكتشف ان سيناريو الفيلم المعروض كان مستوحى من رسومه الأخيرة فتوجه وهو غاضب ثائر الى مقر مكاتب شركة جومون المنتجة لذلك الفيلم وهناك استقبله لويس فيولد المدير الفني للشركة ونجح في تهدئة ثائرته بعد ان حصل كول على وظيفة مؤلف في استديوهات جومون فأخذ يعمل مستخدما العديد من الموضوعات ولم تكن افكار تعوزه (حيث ان الحركة السينمائية تنتج عن خداع العين بواسطة عدد معين من الصور المتتابعة ولما كان عدد هذه الصور محدودا فلابد ان يكون بالامكان استبدال الرسوم بالصور الفوتوغرافية والحصول على نفس النتيجة المادية باستخدام القلم في خلق شخصيات خيالية) وعلى هذا اساس هذه الافكار قام بعمل مجموعة من 2000 رسم تعرض على مدى سبع وستين ثانية وتؤدي الى تحول الفيل الى راقصة وبعد هذا الرسم المتحرك الاول الذي كان يحمل اسم (الاشباح) وفي الفترة من 1908 الى 1910 ظهر من هذه الرسوم سـتون رسما اخرى منها (كابوس القره قوز) و (الصباح المدخن) و (اعواد الثقاب المتحركة).
------------------------------------------------------------
وفي عام 1912 اوفدته شركة اكلير كول الى نيويورك فلاحظ انه لم يكن الوحيد الذي ينتج الرسوم المتحركة فقد كانت هناك عروض عديدة وناجحة والواقع ان فن رينووكول وجد انصاراً له في شخص الرسام الموهوب وينسور ماك كي.
------------------------------------------------------------
وابتداء من عام 1920 وفي كثير من البلدان وبصفة خاصة امريكا والمانيا وفرنسا اجتهد الفنانون في ادخال التحسينات على الرسوم و انتاج شرائط اطول وفي عام 1909 عرض ونســـور ماك كــــي في نيويـــــورك شـــــريط -(الديناصور جيرتي) 000،10 رسم- وبعد سنتين عرض– ( (نيمو الصغير) 4000 رسم -وفي عام 1918 عرض-غرق الباخرة لوزيتانيا ورسم لهذا العمل 000،25 رسم واستغرق العمل فيه 22 شهراً- ويتميز الالماني ج. بيتشفير بشريطه بعنوان (اكسلسيور) اما بيل نولان الأمريكي فقد استخدم في انتاجه المناظر العامة (بانوراما) لأول مرة في العالم وساعدت هذه الطريقة على تحسين عمق المنظر و الاقتصاد في عدد من الرسوم. ونجح امريكي اخر وهو (ج.براي) في اخراج شريط من الرسوم المتحركة بالالوان. وفي عام 1919 نجح (بات سوليفان) بشريطه (القط المجنون) في حين انتج (بنيامين رابييه) في فرنسا شريطه (كارميل او قصة قرد) في عام 1919.
------------------------------------------------------------
وهنا كان الانتاج قد تحسن كثيرا وكانت آلة التصوير توضع فوق حامل ثابت، وتقوم بتصوير الرسم صورة بعد اخرى فوق ورق (خلفية) او باغة (شخصيات) يسقط عليها الضوء من الجانب ومن الناحية النظرية و بالنسبة للحركة الطبيعية يجب ان يشتمل الفيلم على 12 رسما في الثانية وكل رسم منها يصور مرتين وبذلك نحصل على 24 صورة في الثانية وبتغيير عدد الصور يمكن تغيير التأثيرات الناتجة.
------------------------------------------------------------
وقد اصبح التصنيع ممكنا بفضل الأمريكي (ايرل هورد) الذي واتته في عام 1914 فكرة استبدال الرسم على الباغة و بفضلها اكتسبت السينما المتحركة انطلاقة فائقة وقد ادى الرسم على الشفاف الى امكان تحريك الشخصيات على خلفيات ثابتة مع تقليل مقدار العمل الذي يقوم به المنفذ بدرجة كبيرة وهنا صار كل شيء معدا لتدخل (والت دزني).
------------------------------------------------------------
كان والت دزني رساما وفنانا بالسليقة وبعد ان زاول عددا لا يحصى من المهن اشترك مع اخيه روي ورسام اخر صديق لوالت دزني يدعى (اوب ايفركس) وعملوا معا كفريق.
------------------------------------------------------------
لقد اقدم الثلاثة قبل عام 1920 بقليل على العمل بحماس في انتاج الرسوم المتحركة كان المكان الذي يعملون فيه حظيرة قديمة وانتجوا اول مجموعة من الافلام- كان معظمها افلام اعلانية- سموها (الصور المضحكة) وجاء بعدها فيلم (اليس في بلاد العجائب) عام 1923 وهي مسلسلة تتكون من ستين حلقة.
------------------------------------------------------------
لقد صنع والت دزني اكثر من مئة فيلم قصير وقدم اول افلامه الطويلة وهو (الاميرة الصغيرة والاقزام السبعة) وكانت مدة الفيلم 84 دقيقة واعتبارا منذ ذلك الوقت اخذت الافلام الطويلة تتوالى فصدر بعد هذا الفيلم افلام طويلة كثيرة منها (بينكيو) و (فانتازيا) 1940 و (بامبي) 1942 و (سندريلا) 1950 و (اليس في بلاد العجائب) 1951 و (السيد و المتشرد) 1955 و(الجمال النائم) 1959 و (ميرلين والساحر) 1963 و (كتاب الغاية)1966 ولقد دلل والت دزني بذلك على انه استاذ الفن.
------------------------------------------------------------
ان (كتاب الغاب) وهو آخر الافلام التي اشرف عليها والت دزني اقتضى انجازه ثلاث سنوات ونصف السنة واشترك في تنفيذه 300 فنان و عمل فيه 100 رسام قاموا برسم 000،322 رسم ودقيقة واحدة من الحركات وتقتضي هذه الدقيقة 1440 رسما مختلفا كان طول الفيلم 2200 متر وتكلف اربعة ملايين دولار . ان العمل الذي انجزه بصرف النظر عن نوعه يعتبر من احسن ما انجزه في تاريخ السينما.
------------------------------------------------------------
توفي والت دزني في شهر كانون الاول من عام 1966 وهو في الخامسة والستين من عمره وبعد ان تصور وابتدع تلك المدينة الرائعة المعروفة بمدينة ملاهي دزني والتي تشغل عشرة هكتارات وقد افتتحت تلك المدينة في عام 1955 وكان النجاح الذي حققه قد سمح له بالبدء في مشروع آخر اكثر روعة عرف باسم (عالم دزني) ولكنه توفي قبل ان يشهد اتمامه. وهناك مبدعون آخرون كانو يعملون في هذا المجال على غرار والت دزني مثل الفرنسي (بول كريمو) والذي عمل افلام قصيرة وفي نفس الوقت طريفة مثل (خيال المآتة و الجندي الصغير و الراعية و المدخن) كما وكان هناك مبدع اخر وهو بلجيكي اسمه (هيركيه) عمل افلاماً للرسوم المتحركة مثل (تان تان)، وفي هذه المرحلة نجحت دول من اوربا الشرقية في ابتكار اسلوب جديد وخاص للرسوم المتحركة ولكن من بين الجميع الذين عملوا في هذا المجال برز اثنان هما (كيري ترانكا) و (نورمان ما كلاريين).
------------------------------------------------------------
اسهم التشيكي كيري ترنكا بقدر كبير في تطوير السينما المتحركة وكانت له طريقته الفريدة إذ استبدل بالرسوم العرائس واخرج عشرات الأفلام وهو يستخدم آلتي تصوير في تصوير المنظر، صورة بعد الاخرى وفي كل مرة يضيف احد المساعدين حركة مليمترية لمفاصل العروسة. اما استوديو التصوير الذي يتم فوقه تحرك الشخصيات فلا تزيد مساحته على مساحة منضدة الرسم وقد رسمت السماء فوق جدار مقعر يستند اليه الاستوديو ورسمت السحب بالالوان المائية فوق لوحة من الزجاج فأكسبه الفيلم مزيدا من العمق والعمل في مجموعة يتسم بالدقة والحرفية وهو يختلف عن فن والت دزني.
------------------------------------------------------------
اما الكندي نورمان ماك لارين الذي تخرج من مدرسة الفنون الجميلة فقد اوجد له خطه الخاص في مجال السينما وبطريقة مبتكرة حيث اخذ يفكر ويفكر الى ان واتته فكرة حيث جمع بقايا الأفلام من المعامل واخذ يمحو منها بالبخار الصور المطبوعة عليها، وبذلك حصل على افلام شفافة اخذ يرسم فوقها اشكالا هندسية وتمكن من التعبير عن كل ما يمكن ان توحي به من مختلف المشاعر واستتبع ذلك الى ان اقدم على رسم الشريط الصوتي على الفيلم الذي استخدمه. وهكذا استكملت طريقته المبتدعة إذ انه استبعد العديد من الوسطاء كالفنيين والمعامل وتكاد تكون اغلب افلامه فكاهية وهي تختلف عن كل ما سبقها في هذا المجال لدرجة انها تعدت مجال الرسوم المتحركة لتكون فنا جديدا.
------------------------------------------------------------
ويظل لافلام الرسوم المتحركة جماليتها الفنية الخاصة اذ انها تخاطب كل الاعمار وتستهوي قصصها ومغامراتها كل المشاهدين سواء الذين انبهروا منذ صغرهم بالفأرميكي ام بالبطلة دونالددك او الذين تذوقوا دوما افلام ومغامرات الغابة.